<br />دار بيني وبين أحد الأشخاص نقاش حول حديث معين، فقال باللهجة العامية ما فحواه: ما خش عقلي؟! وأول ما تبادر إلى ذهني حين سمعت هذه الجملة، نظرية «مبدأ الشك» لفيرنر هايزنبيرغ «فيزيائي ألماني، حائز على جائزة نوبل عام 1932م»، وقد أثبتت النظرية علميا منذ زمن طويل، ولكن في بداية نشأتها لم «تخش» عقل آينشتاين، حيث كان معارضا لها بشدة؟!<br />وقبل أن أبدأ مناقشة المسألة، أريد أن أقول لكم أني شخصيا حين أقرأ وأسمع عن عدة مسائل في «فيزياء الكم» أقول لنفسي كذلك: ما خشت عقلي! ولكني أعلم يقينا أن وراء هذا العلم عباقرة وجهابذة في تخصصهم. وللتوضيح، فوجه الشبه بين الحديث النبوي الذي دار النقاش حوله وفيزياء الكم، هو أن هناك قضايا قد تخفى عليك حكمتها أو علمها، فلا يعني ذلك أن عقلك هو المرجع لها. ونحن هنا لا نُصادر تفكير الناس وعقولهم، ولكن لكل علم متخصصون فيه.<br />في البداية لابد أن نحسن الظن، ونعتقد أن المُستفسر أو المُجادل لا يقصد إنكار الحديث عمدا، أو انكار السنة النبوية عموما، ولكنها من مسائل إعمال العقل في النقل.<br />وأولا: لابد لأي شخص ينتقد أي علم كان، أن يعرف أبجدياته، فمثلا في علم الحديث على أقل تقدير لابد أن تعرف معنى المصطلحات العامة كالسند والمتن، والعلة والشذوذ، والجرح والتعديل، ودرجات صحة الحديث، أي تكون مُلما بطرف العلم، حتى تستطيع أن تفهم وتناقش لماذا تم الاحتجاج بهذا الحديث؟ إن علم الحديث هو علم مستقل، كالهندسة والطب وغيرها من التخصصات العلمية.<br />وثانيا: ليس كل حديث نبوي لا يعجب عقلي وعقلك نقول عنه مباشرة بأنه: حديث ضعيف! وكما ورد عن ابن تيمية ما معناه: لو كان الدين بالعقل، لكان كلٌ له رأى. وبالعامية يقولون: كل بعقله راضي!<br />وثالثا: الأحاديث النبوية إذا ثبتت سندا، وصحة متنا نسلم بها، لقوله سبحانه وتعالى: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ - وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا». وورد في الأثر عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال: «لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يمسح على ظاهر خفيه».<br />ورابعا: مسالة الرجوع إلى أهل التخصص مهمة جدا في أي فرع من العلوم، كمثل رجوعنا إلى الأطباء المختصين حين يصبنا المرض - لا سمح الله-. ومن النادر أن يصرف لنا طبيب «نثق في علمه» الدواء، فنقول: ما خش عقولنا، دون حتى قراءة النشرة الطبية التي تأتي مع الأدوية.<br />وخامسا: لنفترض جدلا أن بعضا من الأحاديث لم «تخش عقولنا» فهناك في المقابل الآلاف من الأحاديث الصحيحة. فهل نترك كل هذه الآلاف من النصوص، ونتصيد! بعضا من الأحاديث التي نجهل السببية، وهي في الأغلب في فروع الفقه، وليست في الأصول، وبالإضافة قد يتطور العلم غدا ونعرف العلة والحكمة من الحديث التي نجهلها اليوم.<br />وسادسا: لنتذكر أنه من السهولة بمكان أن ننتقد أي نص أو علم، ولكن الصعوبة هي في البحث والتعلم من أجل الوصول إلى الإجابة الأقرب إلى الصواب، وهذا يحتاج إلى جهد وعمل مضني. والقليل منا يفعل ذلك؟!<br />وقبل الختام دعونا على الأقل نتفق، أنه قبل الحكم على حديث نبوي «بصحة أو ضعف»، أو نظرية فيزيائية، أو معادلة رياضية أن نعمل بالقاعدة العامة التي تنص على: «الحكم على الشيء فرع عن تصوره».<br />@abdullaghannam<br /> <br />