<br />في عالمنا المتغير والمعقد، تظهر بين الحين والآخر أحداث غير متوقعة، تغيروبشكل جذري مسار التاريخ، ولها تبعاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وقد أطلق الكاتب وعالم الرياضيات نسيم نيكولاس على هذه الظاهرة، مصطلح “البجعة السوداء في كتاب له بهذا العنوان، تكلم فيه عن حدوث أمر غير متوقع وتأثيره على ما حوله عمومًا، وتمثل هذه الظاهرة أحداثًا نادرة للغاية، يصعب التنبؤ بها، ولها تأثيرًا كبيرًا على الواقع.<br />ولعل من أبرز الأمثلة على أحداث البجعة السوداء، على المستوى الاقتصادي، الأزمة المالية العالمية التي ضربت في عام ٢٠٠٨، وأدت إلى انهيار سوق العقارات الأمريكي، وتداعياتها على النظام المالي العالمي، حيث عدّت تلك الأزمة فريدة، لكون أن معظم الخبراء الاقتصاديين لم يكونوا يتوقعون حدوث انهيار بهذا الحجم، الذي أدى إلى إفلاس شركات كبرى وأثر على الاقتصاد العالمي لسنوات طويلة.<br />أما جائحة كورونا، التي ظهرت في نهاية عام 2019، فهي مثال آخر أكثر شمولًا وتأثيرًا. لم يكن تأثيرها مقتصرًا على جانب واحد، بل امتد ليشمل الاقتصاد، والصحة، والتعليم، والثقافة، والمجتمع كليًّا. كانت معظم الدول غير مستعدة للتعامل مع أزمة بهذا الحجم، مما أدى إلى خسائر بشرية واقتصادية هائلة.<br />وعلى نطاق آخر، قد تشير هذه الظاهرة إلى تغيير إيجابي فريد، ومثال ذلك، اكتشاف البنسلين في عام ١٩٢٨م على يد العالم فليمنغ، الذي كان حدثًا غير متوقع، وأحدث ثورة في عالم الطب، وساعد في أنقذ ملايين الأرواح وفتح الباب أمام ظهور المضادات الحيوية.<br />ومن الأمثلة الإيجابية كذلك اختراع الإنترنت في الستينيات من القرن الماضي، الذي أعاد تشكيل العالم. فلم يكن أحد يتخيل في بدايات القرن العشرين أن شبكة تربط بين الناس بهذه الطريقة ستصبح أساسًا للحياة اليومية والتواصل والعمل.<br />ويجدر بالذكر أن لهذه الظاهرة سمات مشتركة، فمن تلك ندرتها، لان الأحداث التي توصف بـ»البجعة السوداء» قليلة الحدوث، وتكاد تكون خارجة عن التوقعات، وكذلك تأثيرها الضخم، بغض النظر عن كونها إيجابية أو سلبية، فإن هذه الأحداث تغيّر المشهد بشكل جذري، ومن سماتها أيضاً، أنه يتم تفسيرها غالباً بعد حدوثها، ويتم تبرير الحدث بأثر رجعي، إذ يحاول الخبراء وضع تفسيرات لحدث لم يكن متوقعًا مسبقًا.<br />إن ظاهرة البجعة السوداء، تنبهنا إلى ألّا نعتمد اعتماد كليًا على التوقعات والتخطيط المسبق، بل ينبغي يكون لدينا، إدارة للأزمات قادرة على التعامل والاستعداد لمثل هذه الظواهر السلبية والتقليل من أثرها، فالتاريخ مملوء بالمفاجآت، والعالم لا يسير دائمًا وفق الأنماط التي نتصورها.<br />قال الشاعر:<br />وما كلُّ ظَنٍّ يُدْرَكُ الحقَّ فيهِ.. وقد يَكذِبُ الإنسانُ والظنُّ صادقُ<br />وكم مِنْ أمورٍ قد مضتْ في غموضها.. وقد لاحَ منها للعيونِ بوارقُ<br />@azmani21