<br />في لحظات الفقد الكبيرة، تبدو الكلمات عاجزة عن احتواء الحزن الذي يعتصر القلب، اليوم نودع رجلاً من نوادر الرجال، الأمير محمد بن فهد بن عبد العزيز آل سعود «رحمه الله»، رحل عن عالمنا من كان باباً من أبواب الخير وأباً للأمل، تاركاً خلفه فراغاً لا يمكن أن تملأه الكلمات بعد أن فقدنا أحد أصدق وجوه العطاء والإنسانية.<br />الراحل الكبير كان فكرة متجسدة عن الخير والنبل والحكمة، في كل مرة تذكرت حضوره كنت أرى فيه رجلاً يحمل بين ضلوعه قلباً ينبض بالإنسانية، عقلاً يخطط للمستقبل، وروحاً تهفو دائماً إلى خدمة الناس دون انتظار مقابل، كان قريباً من الجميع، عظيماً بتواضعه، وحكيماً بحضوره، لم يكن بحاجة إلى كلمات ليثبت نفسه، فقد كانت أفعاله هي من تتحدث عنه وتروي حكاية العطاء الذي لم يعرف حدوداً.<br />لقد وُلد الأمير محمد في زمن الكبار، وكان كبيراً بما قدمه لوطنه وللناس. حين عُيّن أميراً للمنطقة الشرقية، لم يرَ في منصبه سلطة أو نفوذاً، بل مسؤولية تجاه كل من وضع ثقته فيه. في عهده، شهدت المنطقة نهضة لا تُنسى، كانت انعكاساً لرؤيته الثاقبة وإصراره على أن يكون العمل هو المقياس الحقيقي للإنجاز.<br />المشاريع التي أطلقها وأشرف على تنفيذها، الطرق التي افتتحها، الجامعات التي كان سببا في تأسيسها ورعايتها، كل ذلك كان شاهداً على أنه لم يكن أميراً فحسب، بل قائداً استثنائياً. أذكر عندما أسس جامعة الأمير محمد بن فهد، لم يكن هدفه مجرد توفير التعليم، بل كان يسعى لخلق جيل من الشباب قادر على مواجهة تحديات العصر. تلك الجامعة كانت حلمه، والآن أصبحت منارة علمية تضج بالحياة. ولكن أكثر ما لمس قلبي كان مواقفه الإنسانية، تلك التي لم تكن تُعلن أو يُتفاخر بها، بل كانت تصل إلى المحتاجين دون أن يشعروا بالحرج، وكأنها يد رحيمة تمتد إليهم من السماء. رحل الأمير محمد، ولكنه ترك خلفه إرثاً لن يندثر. رحيله ليس مجرد نهاية حياة رجل خير وعطاء، بل هو انطفاء نور كان يضيء لمن حوله. في كل خطوة من مسيرته، كان يزرع بذور الخير، واليوم ونحن نبكي رحيله، نرى تلك البذور وقد أثمرت أعمالاً عظيمة سيذكرها التاريخ.<br />يا أمير الخير، لقد علّمتنا أن العطاء لا يقتصر على المال أو المشاريع، بل هو كلمة طيبة، يد ممدودة، وابتسامة تُزيل عن القلب أثقاله. رحلت اليوم، ولكن روحك ستبقى في كل عمل خير، في كل مشروع بدأته، وفي كل قلب مسّه كرمك وإنسانيتك. إلى كل من عرفه، وإلى كل من لم يعرفه، أقول: فقدنا اليوم رجلاً نادراً، كان وجوده نعمة، ورحيله خسارة لا تُعوّض.<br />رحمك الله يا أمير الخير، وأسكنك فسيح جناته. لن ننساك، لأنك لم تكن مجرد أمير، بل كنت رمزاً للخير الذي لا يموت.<br />خالص العزاء لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ملك الحزم والعطاء «حفظه الله» وإلى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، قائد المستقبل وعراب الرؤية «حفظه الله» ، والعزاء موصول لصاحب السمو الملكي الأمير تركي بن محمد بن فهد بن عبدالعزيز وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء ولأصحاب السمو الملكي الأمراء والأميرات أبناء وبنات الفقيد، والأسرة المالكة الكريمة.. جبر الله مصابهم.. ورحم الله الفقيد، وأسكنه فسيح جناته، إنا لله وإنا إليه راجعون.<br />رحلت اليوم، ولكن روحك ستبقى في كل عمل خير، في كل مشروع بدأته، وفي كل قلب مسّه كرمك وإنسانيتك.