<br />لم يكن صباح يوم الثلاثاء الماضي يوما عاديًا..كنت في طريقي من الخبر إلى الدمام لحضور تدشين منصة "سرد"، التي أطلقها صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز أمير المنطقة الشرقية، رئيس مجلس هيئة تطوير المنطقة الشرقية ، كأداة رقمية متقدمة تهدف إلى إنشاء قاعدة بيانات ونظم معلومات حضرية موحدة، لدعم التخطيط الحضري وتعزيز التنمية المستدامة في المنطقة، وبينما كنت أعبر الشوارع الممتدة بين المدينتين، شعرت وكأنني أشاهد مشهدًا حيًّا للنمو والتطور، فلم تكن مجرد طرق وجسور تربط بين نقطتين، بل مسارًا يروي حكاية مدينتين تتغيران مع الزمن، المباني الحديثة ترتفع جنبًا إلى جنب مع الأحياء التي احتفظت بروحها، والواجهات البحرية في كلا المدينتين تعج بالحياة؛ حيث يجتمع الناس للرياضة، وللراحة، أو لمجرد الاستمتاع بنسيم البحر، كان كل شيء يعكس تحولًا مستمرًا، وكأن المدينتين تخبرانا أن التطور لا يتوقف، بل هو قصة تُكتب كل يوم.<br />المدن، تمامًا مثل البشر، لها روحٌ تنبض، وذاكرةٌ تتشكل مع الزمن، الدمام والخبر ليستا مجرد تجمعات إسمنتية، بل كائنان ينموان مع طموحات سكانهما، رأيت ذلك بوضوح في تلك الشوارع التي تحمل مزيجًا من الماضي والحاضر؛ الأحياء القديمة التي ما زالت تحافظ على هويتها، والمشاريع الحديثة التي تعيد رسم ملامح المكان، وكل زاوية، وكل ممشى، وكل معلم، كان شاهدًا على قصة تطور مشترك بين مدينتين تكمل إحداهما الأخرى، تتحركان معًا نحو المستقبل، كما لو كانتا جسدًا واحدًا ينبض بالحياة.<br />لكن المدن لا تنمو بالعمران وحده، بل بهويتها وثقافتها والقصص التي تصنعها وتُروى عنها، وهنا يأتي دور الفنون والثقافة في تشكيل روح المكان، ففي الدمام تسهم الفعاليات الثقافية والفنية الدورية، مثل مهرجان النهام، إلى جانب المواسم الشعرية والعروض المسرحية والأنشطة الموسيقية والفوتوغرافية، في إبراز الهوية الثقافية للمدينة، كما تعكس الفنون الجدارية المنتشرة في شوارعها، والرسومات التي تزين جسور الطرق وأنفاقها، إبداع شبابها ورؤيتهم لمستقبلها، وفي السياق ذاته، تحتضن الخبر أعمالًا فنية ومجسمات جمالية تزين ساحاتها وشوارعها، فتضيف إلى طابعها الحضري لمسة إبداعية تروي ملامح تطورها وتفاعلها مع محيطها، فالمدن ليست مجرد مبانٍ وهياكل، بل هي كائنات تنبض بالحياة، تحمل في زواياها ذكريات سكانها، وتشكل ثقافتها ملامحها الخاصة، مما يجعلها أكثر جذبًا وارتباطًا بمن يعيشون فيها أو يزورونها.<br />ولكن مع هذا النمو المتسارع، يبقى السؤال: كيف تضمن المدن استمرار حيويتها مع الزمن؟ هنا تأتي الاستدامة كضرورة وليست خيارًا، فمدينة بلا تخطيط مستدام تفقد قدرتها على التكيف مع تحديات المستقبل، كالتوسع المدروس، والحفاظ على الموارد، وتطوير وسائل النقل المستدامة مثل مشروع "قطار الرياض – الدمام"، كلها ليست مجرد تفاصيل، بل أساس لضمان أن تستمر هذه المدن في النمو دون أن تفقد توازنها، المدن الذكية والمستدامة ليست رفاهية، بل هي التي ستصمد أمام التحديات، وتظل مكانًا صالحًا للحياة للأجيال القادمة، كما نرى في مشاريع تطوير جزيرة المرجان ،وكورنيش الدمام وتحويله إلى بيئة أكثر ملاءمة للعيش والتنزه.<br />في ذلك اليوم، أدركت أن ما يجعل المدن تنبض بالحياة ليس فقط شوارعها ومبانيها، بل القصص التي تُحكى عنها، والأفكار التي تشكلها، والرؤية التي تقودها نحو مستقبل أكثر استدامة وإنسانية، فالمسؤولية ليست على صُنّاع القرار وحدهم، بل علينا جميعًا، كيف يمكن لكل واحد منا أن يترك بصمته في مدينته؟ كيف نبني معًا مدنًا لا تعكس ماضينا فقط، بل تفتح الأبواب لأحلام الأجيال القادمة؟ ربما تكون الإجابة في أفعالنا الصغيرة، في مشاركتنا، في حفاظنا على البيئة، وفي رؤيتنا لمدننا ليس كمبانٍ، بل ككائنات حية تستحق أن نرعاها.