<br />هناك نظرية تقول أن الشيء الوحيد الثابت هو التغير، وهذا صحيح فكل شيء يتغير حولنا، لم يبقى شيء على حاله، خاصة بالنسبة لأولئك الذين عاشوا زمان الثمانينيات، والألفينيات، فقد شهدوا عالم الهواتف الثابتة والفيديو واللعب في الشارع والتلفاز، الذي يغلق في تمام الثانية عشر ومسلسل العاشرة ولمة العائلة وقدسية العلاقة بين الآباء والأبناء، وشهدوا ثورة الهواتف النقالة والإنترنت ووسائل التقاطع الاجتماعي والعيش بمنزل واحد في جزر منعزلة والغوص في عالم اليوتيوب والاستهزاء بالآباء.<br />من المفاهيم التي تغيرت معانيها واختلت مفاهيمها؛ المال ومفهوم الفقر، فالمال من ركائز الحياة فبدونه يموت الإنسان جوعا وقهرا، ولإجله تقوم حروبا وتسحق دولا، وهو يملك قوة السحر فهو قادر على قطع الأرحام وهدم البيوت وتفريق الحبيبين، نعم ألم يقولوا في المثل «إن دخل الفقر من الباب هرب الحب من الشباك»،ولكن قيل في الأثر «لو كان الفقر رجل لقتلته».<br />لقد مر جيل نشأ على أغاني أم كلثوم وعبد الحليم وغيرهم ممن يدعون إلى أن «عش العصفورة يقضينا وأنا أكلها معاك إن شاء الله بدقة»، لكن المشكلة اليوم ليست في الأكل ولا العش فهذا المفهوم القديم عن الفقر أما اليوم، هناك آيفون وسيارة وآيباد وحقائب وأحذية ماركات ومطاعم، ليس المهم أن تكون الأحذية والحقائب جميلة، ولا أن نشعر بلذة الطعام أو أن يكون لذيذا أصلا، بل المهم أن نثبت للعالم ونريهم بطريقة سمجة أننا نملك تلك الحقائب والأحذية و أننا كنا في ذلك المطعم.<br />ليس فقط مفهوم المال ومفهوم الضروريات والشراء هو الذي تغير ولكن الأهم من الذي فرض وقرر أن هذه الأشياء أصبحت ضروريات أم لا وأننا من دونها فقراء، إنهم مشاهير الفلس الفكري، الفاشلون الذين صنعنا من فشلهم أسطورة نجاح! نعم حتى مقاييس ومفاهييم النجاح تغيرت، فالناجح اليوم هو من يحظى بمتابعين أكثر ومشاهدات أكثر و أكثر، فليس المهم ما يعرض وليس المهم ما الفرق الذي يحدثه، حتى لوكان كارثة، المهم أنه ترند! اليوم والجميع يتحدثون عنه ويتداولون مقاطعه حتى لو كانوا يشتمونه يكفي أنه يثير الجدل وفي المذيعة التي نعرفها جميعنا خير مثال، أصبحنا نسعى للنجاح حتى لو بالفشل والشتم، فالشتم اليوم علامة نجاح، تبا لمقايسنا كم انحدرت، و الأمر لم يقف عند هذا الحد مع الأسف بل تعداه، فالعري أصبح تحضر ورقي، والاحتشام أصبح تخلف، والخجل أصبح مرض نفسي والوقاحة انفتاح، حتى رؤيتنا تشوهت وأبصارنا اختلت بتنا لا نفرق بين الرجال والنساء، بل أصبح هناك ذكور ورجال، وإناث ونساء، وطفت على السطح النسويات لتعلو الأصوات فتطالب بالمساواة بين الرجال والنساء، متناسين قوله - جل وعلا - «وليس الذكر كالأنثى».<br />أخيرا.. أقول ببالغ الحزن يؤسفني انقلاب المفاهيم، وغرق حياتنا في التفاهات، واكتئاب الماديات الذي طغى على حياتنا، لكننا لا نعمم فالتعميم لغة الجهلاء، فما زال في أمتنا خيرا، ومازال لدينا شباب مستنير واع وأكبر من كل جنون وسائل التواصل الاجتماعي، التي تسيطر على الأغلبية ممن يمشون عكس تيار هذا الجنون الذي إنما هو كزبد البحر سيختفي يوما ما.<br />RatroutNahed@<br />