<br />لا زلت أذكر في صغري وأنا آتي للمدرسة بفسحتي المكونة من ريالين، ريال للساندوتش وريال للعصير، وإن أراد والدينا إكرامنا أصبحت الفسحة ثلاثة ريالات لندلل أنفسنا ببطاطس، ونحن في قمة السعادة لهذه الإكرامية الجميلة. وكان أحد الزملاء مع أنه من عائلة غير ميسورة يأتي بفسحة تصل إلى 50 ريال فيشتري فطوره ويكرم مجموعته التي تجالسه في الفسحة، وقد يسوّل له هذا المبلغ شراء ما لا يصحّ شراؤه عند خروجنا من المدرسة، وكان يسخر منا ويتهم أهلنا بالبخل بينما أهله لا يردون له طلباً.<br />تقدمت الأيام، ولم يكمل صاحب فسحة الخمسين ريال دراسته، بينما تقدم أهل الريالين، وعندما كبر أصبح يشتكي من أهله الذين دللوه ولم يضغطوا عليه من أجل دراسته التي لم يكملها. أحياناً نحن نسهم في تدمير أبنائنا الذين هم مستقبلنا، ونحن نظن أننا نحبهم، وأمامي ثلاثة نماذج: الوالدان اللذان لا يرفضان لولدهما أو ابنتهما طلباً، فيدمران طموحه ودافعيته خصوصاً مع صغر سنه، وعدم إدراكه للعواقب، ومن ينشأ في الدلال تصعب عليه مواجهة صعوبات الحياة. والمعلم أو عضو هيئة التدريس الذي يعتقد أن حب طلابه يتحقق بتقديم مقرر مهلهل لهم من خلال تقصيره في التدريس وحذفه لما يحتاجون له في مستقبلهم، أو التساهل في مراقبة الغشاشين والظن أنه بذلك ينال الرضا، فإذا جاء الجامعة عرف طالب الثانوية المعلم الحريص من المتساهل، وإذا نزل في سوق العمل عرف الطالب الجامعي من بكى عليه ممن تباكى.<br />والقريب الذي حول وقته للسخرية من أبناء العائلة في كل اجتماع، سواءً في اهتماماتهم التي تناسب جيلهم والتي ليس فيها حرام ولا أمر معيب، أو في الاستهزاء بتخصصاتهم ومشاريعهم وأهدافهم المستقبلية، أو الجرأة على إعطاء معلومات مغلوطة تدمر ولا تبني. يجب أن نكون أكثر حذراً وتوازناً في تعاملنا مع جيلنا القادم، والذين هم امتدادنا، فليست كل إجابة طلب كرم، ولا كل كلمة تُلقى مناسبة، ولا كل قسوة مجرّمة، فبعض القسوة حب، وبعض الرفض حرص، والأهم الأهداف والمقاصد.<br />لنراهن على نظرة أبنائنا المستقبلية، فهناك تنضج العقول وتتضح الرؤية، أما الآن فقد تكون النظرة محدودة، والخبرة غير مساعدة.<br />@shlash2020