<br />ذكر الإمام ابن الجوزي -رحمه الله تعالى- في كتابه المنتظم أنه بينما الحجاج في زمانه يطوفون بالكعبة ويغرفون الماء من بئر زمزم قام أعرابي فحسر عن ثوبه، ثم بال في البئر والناس ينظرون، فما كان من الحجاج إلا أن انهالوا عليه بالضرب حتى كاد يموت، وخلّصه الحرس منهم، وجاؤوا به إلى والي مكة، فقال له: قبّحك الله، لِمَ فعلت هذا؟ قال الأعرابي: حتى يعرفني الناس، يقولون: هذا فلان الذي بال في بئر زمزم!! ومع شناعة هذا الفعلوقبحه، واستهجان الناس واستغرابهم له إلا أن هذا الأعرابي قد سطر اسمه في التأريخ رمزاً للسخافة والحماقة، وأصبح أحد مهملات الزمان التي يتندر بها الناس، وبقيت زمزم وذهب الأعرابي؛ وإلا فما الداعي لفعلته السخيفة والشنيعة سوى حرصه الشديد على الشهرة والذكر في الأقطار والآفاق ولو كان بأحطّ الأفعال وأشنعها، وما يثير استغراب الناس وتعجبهم من محدث الأفعال أو الأقوال.<br />ويتكرر الحال مع حلول كل موسم من مواسم الخيرات والبركات، وتعظيم الحسنات وتكفير السيئات، حيث تطالعنا وسائل التواصل الاجتماعي المرئية والمكتوبة والمسموعة الكثير من هواة الصعود الصاروخي على أكتاف الجمعيات الخيرية والمؤسسات الأهلية بالتشكيك في أعمالها ومناشطها، واتهام نزاهة القائمين عليها بالتكسب والاتجار غير المشروع عبر أروقتها، وسعي أولئك المشككين في تحقيق أعلى نسب المشاهدات والمتابعات، والوصول إلى قمم الشهرة والإثارة والمتابعة الإعلامية واستفادتهم من مدرسة ذاك الأعرابي، والاعتبار بمنهجه في الإثارة والتشويش.<br />ونظراً لتكاثر أعداد أولئك المشككين باختلاف مواقعهم الوظيفية والاجتماعية؛ فإنه يتوجب على الجهة المعنية بالإشراف على القطاع غير الربحي رصد تلك التهم والتصريحات المفتقرة للدليل والبرهان، وإحالتهم للجهات الرقابية والنيابية لتقديم ما لديه من أدلة ومعلومات أو كف شرهم عن القطاع والعاملين به؛ لاسيما وأن القطاع يحظى بدعم سخي من لدن خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهد الأمين وأمراء المناطق -حفظهم الله تعالى- لدعم مسيرته ومشاركته في تحقيق مستهدفات الدولة التنموية باعتباره أحد القطاعات المهمة في صناعة الإنسان وبناء قدراته وتوظيف طاقاته، وسد حاجاته المتعلقة بالمأكل والمشرب والتأهيل النفسي والاجتماعي والفكري، وأحد الروافد الاقتصادية المؤثرة في الناتج الوطني، وأداة فعّالة للحفاظ على البيئة ومقوماتها.<br />وأخيراً: كم آسى على حال ذاك الأعرابي الذي ذاق أشد الضربات وأبشع الأوصاف على فعلته النكراء والمستهجنة عند القاصي والداني،وتناقل الأجيال لقصته مصحوبة بالسباب والشتام وسيء الألقاب والأوصاف عبر مئات السنين؛ وفي المقابل تتنوع أدوات ووسائل المتشبهين به من أبناء مدرسته ليصرفوا الناس عن أوجه البذل والعطاء تأسياً برسول الله صلى الله وسلم وصحبه الكرام والتابعين لهم بإحسان، واقتداءً بنهج ولاة أمرنا -حفظهم الله تعالى- في دعم الجمعيات غير الربحية بشتى تخصصاتهم بل وبرئاسة مجالس إداراتها والإشراف على البعض منها، ولأولئك المشككين والقادحين نقول ما قاله الحطيئة في مطلع قصيدته العصماء:<br />أَقِلّوا عَلَيهِم لا أَبا لِأَبيكُمُ.. مِنَ اللَومِ أَو سُدّوا المَكانَ الَّذي سَدّوا<br />وتذكروا أن الأعرابي ذهب وبقيت زمزم، وستذهبون أيها المشككون ويبقى القطاع غير الربحي شامخاً فعّالا في مسيرة البناء والنماء والله من وراء القصد.<br /> <br />جامعة الملك خالد<br />@mesfer753<br />