<br />تتردد على ألسنة الكثيرين عبارات من قبيل: «رمضان يمضي بسرعة، بالأمس كان أول الشهر، واليوم شارفنا على نهايته!»، كلمات تعبّر عن الشوق والانتماء لهذا الشهر الكريم، فبالأمس القريب كنا نستبشر بقدومه، وما هي إلا لحظات حتى نشعر وكأنه يرحل مسرعاً كريح مرسلة.<br />رمضان ليس مجرد شهر في التقويم، بل هو موسم استثنائي من العبادة والتواصل الأسري والمجتمعي، إذ أودع الله فيه من الخصوصية والروحانية ما يجعل القلوب متعلقة به، ويجعل فراقه أشبه بفراق الحبيب.<br />البعض يرى أن رمضان في الماضي كان مختلفاً، وكنا نشعر بأيامه ولياليه، بينما الآن يبدو وكأنه يمر بسرعة خاطفة. لكن الحقيقة أن رمضان هو هو، بعدد أيامه وخصائصه، غير أن إيقاع الحياة المتسارع وكثرة المشاغل والفعاليات جعلت الأيام تمضي دون أن نشعر بها.<br />لو تأملنا في بعض الأمثلة، سنجد أن الوقت في انتظار موعد طبي يبدو طويلاً، بينما يمضي سريعاً عند الانشغال بشيء . الأمر ذاته ينطبق على رمضان، فحين تكثر الملهيات والانشغالات الدنيوية، نشعر وكأنه عبر دون أن نعيشه كما ينبغي. أما من يتفرغ للعبادة ويبتعد عن الملهيات، فيجد في أيامه بركة وامتداداً روحياً.<br />وهنا يكمن السر، فالبركة في الوقت نعمة لا يمنحها الله إلا لمن أخلص في صلته به. فمن عمّر علاقته مع الله، وجد في وقته بركة تمتد، أما من غفل وانشغل، فلن يجني سوى سرعة الأيام وفراغها.<br />لذلك، اجعل من رمضان شهراً مميزاً، اكسر الرتابة، أضف تجارب جديدة، واملأ أيامه بما يبقى أثره بعد رحيله، ضع لنفسك برنامجاً متوازناً يجمع بين العبادة وأعمال الدنيا، فليس المهم كم من الوقت مر، بل كيف قضيناه، فرُب وقت قصير لكنه مثمر، خير من أيام تمر بلا معنى.<br />رمضان لا يمضي سريعاً بقدر ما أننا قد لا نستثمره كما يجب. فلنغتنم لحظاته في الصيام، والقيام، وقراءة القرآن، والتسبيح، والتضرع إلى الله، إنه فرصة عظيمة للتغيير والتطهير الروحي، لمراجعة الذات، والتخلص من العادات السيئة، وتعزيز الروابط الإنسانية الصالحة.<br />ولا ننسَ أن العطاء في رمضان يضاعف الأجر، فالصدقات، ومساعدة المحتاجين، والإسهام في إفطار الصائمين، كلها أعمال تزرع في القلب سعادة، وتعزز روح التكافل في المجتمع. كما أن المجالس الرمضانية وصلة الأرحام تزيد من أواصر المحبة والتسامح والألفة.<br />فلنستقبل رمضان بحماس وإيمان، ولنحرص أن نكون فيه أفضل نسخة من أنفسنا، فهو يمضي سواء شعرنا بسرعة أيامه أو لا، لكن ما يبقى هو الأثر الذي تركناه فيه، والروح التي خرجنا بها منه.<br />@BinOthman90