<br />لم تعد دراسة النظريات الإعلامية مقتصرة على المختصين في مجال الإعلام والممارسين له، بل أضحى تعلمها والإلمام بها واجبًا على كل من يستخدم الوسائل الإعلامية، ليُصبح مدركًا لما يدور في رحى الوسيلة التي يستخدمها، وملمًا بما يُعرض له وكيف يُعرض، لأنه -بكل أسف- ليس كل ما تشاهده أو تسمعه أو حتى تقرأه صحيحًا، وفي هذا الصدد، ليست هناك نظرية صحيحة كليًا أو خاطئة تمامًا، بل جاءت مفسرة للوسائل الإعلامية وسلوكيات الجمهور بعد تعرضه لها.<br />وأولى نظريات التأثير الانتقائي، هي نظرية انتقال الاتصال على مرحلتين، التي تفترض أن قادة الرأي -بتنوع تخصصاتهم- يتعرضون للمحتويات الإعلامية أكثر من أتباعهم، وهكذا تتم مرحلة الاتصال الأولية، في حين تتم المرحلة الثانية عندما يقوم هؤلاء القادة بنقل هذه المحتويات إلى جماهيرهم وأسرهم.<br />واعتمادًا على هذه النظرية، ظهرت نظرية انتشار المبتكرات، إذ تفترض أن قادة الرأي يمثلون دورًا محوريًا في عمليات تبني المستحدثات، فلو وجدت نفسك راغبًا في اقتناء «الميق البنفسجي» رغم امتلاكك «الميق الوردي»، فإن تصرفك في هذه الحالة يُصنف مثالًا للنظرية.<br />ومن نظريات التأثير القوي، نظرية وسائل الاتصال كامتداد للحواس، التي يفترض مؤسسها «مارشال ماكلوهان» أن وسائل الإعلام هي امتداد لحواس الإنسان، فالتلفزيون امتدادٌ للعين، والميكروفون للسمع، ويضيف أن استخدام الوسائل الإعلامية قد غير من نسب استخدامنا للحواس، لأن كل وسيلة تُعدل في تصرفاتنا وإدراكنا للعالم من حولنا.<br />وأما نظرية دوامة الصمت، فجاءت مؤكدة على قوة وسائل الإعلام وهيمنتها، إذ تقول إن وسائل الإعلام لا تظهر سوى الآراء المؤيدة لقضيةٍ ما أو المعارضة لها، مما يُعزز احتفاظ مَن لديه رأي مُغاير لرأي الأغلبية التي يظهرها الإعلام برأيه، لاعتقاده بأنه هو الوحيد الذي يُخالف اتجاه القاطرة، وسيكون عرضةً للعزل الاجتماعي، ما يدفعه لإخفاء رأيه وتبني رأي مماثل لرأي الجماعة.<br />ومن نظريات التأثير المعتدل، ما افترضته نظرية ترتيب الأولويات من أن وسائل الاتصال الجماهيري لا تستطيع أن تقدم كل ما يحدث في المجتمع، ولذا؛ يختار القائمون عليها ما يُثير اهتمامات الجمهور، ومن هنا فإن ما تراه ليس ما اخترته أنت، بل ما اختارته وسائل الإعلام لك.<br />وأما نظرية الأطر الإعلامية فهي مشابهة للسابقة من ناحية انتقاء الأحداث، حيث تفترض أن وسائل الإعلام تضفي معنى للأحداث من خلال اختيار جوانب معينة من الحدث وإغفال أخرى -قد تغير سير القضية بأكمله-، ثم تضعها في أطر «إنسانية، اجتماعية، سياسية، ...» تخدم أهدافها.<br />وخلاصة القول، إن هناك عشرات النظريات الإعلامية التي لم يسعني التطرق لها، وعوضًا عن ذلك استعرضت عددًا من النظريات التي يكثر استخدامها من قبل القائمين على الوسائل الإعلامية، ويجدر بكل من يتعرض لهذه الوسائل أن يفهم ما يحدث في رحى الإعلام وما يدور خلف كواليسه، ليس ترفًا، بل ضرورة، فكل نظرية تفسر جزءًا من الحقيقة، ويبقى الفيصل بين الاستخدام الواعي وغير المُدرك هو اختيارك!<br />@amera-mutairi