<br />الحديث عن المياه لا ينضب حماسه. وتحت هذا العنوان الاستراتيجي اللماح، أقدم لكم دفقة جديدة من حزمة مقالات بيئية علمية فكرا ورؤية. الماء محورها. العنوان يوحي ويقول بأهمية ما يحمله من قلق مشروع، يأتي بسبب ندرة المياه ومصادرها الطبيعية في بلادنا السعودية حفظها الله. ستكون المقالات بتفرعات أخرى من العناوين والرسائل. الماء أولا وأخيرا قبل أي شيء يتعلق بحياتنا على أرضنا المباركة. العمل على تحقيق استدامة الماء مطلب يفرض أن تكون إجراءاتها منهج حياة للجميع.<br />مع هذا المقال الأول، أبدأ القول بحقيقة أننا نعرف، بل نعي جميعا أن بلادنا واحدة من الدول العشر الأولى الأشد فقرا في المياه السطحية الطبيعية. ماذا تعني هذه الحقيقة لنا ولأجيالنا القادمة؟ السؤال موجع لأمثالي. يثير القلق المشروع بأبعاد مستدامة الحضور. هذا السؤال موجه للجميع بسبب أهمية ومسئولية المياه التي بين أيدينا. لكنه فنيا وعلميا موجه لواضعي السياسات المائية وراسميها حاضرا ومستقبلا. هم الذين يقودون دفة ومسيرة سفينة الماء نحو بر الأمان كما تقول العرب.<br />ليس بالضرورة أن يكون كل مواطن مدرك خطورة وتهديد ندرة الماء. كل فرد -كما تقول العرب- مشغول بليلاه مع تشعبات الحياة، وتعدد مسؤولياتها وتخصصاتها. لكن من الضروري والملزم أن يكون كل مسؤول عن هذا المورد الهام مدرك لهذه الخطورة، وهذا التهديد لحياتنا وأيضا لوجودنا.<br />أن يفكر كل مسؤول بشكل مستدام في مستقبل هذا السائل الذي لا يقدر بثمن. زيادة الطلب على الماء لن تتوقف كما وكيفا. من يتربع ويعتلي منبر مسؤولية المياه في بلدنا عليه التفكير في مستقبل أهمية المياه أكثر من الحاضر. يجب أن تكون المياه ومستقبلها شغله الشاغل.<br />المسؤول يؤسس لخدمة المستقبل من خلال قناعاته بوضع حاضر المياه، ومستقبلها، وزيادة الطلب عليها. هناك دروس وعبر من الماضي. بجانب حقائق احتياجات الحاضر وتحدياتها، تؤسس لهذه المسؤولية بكل أبعادها. احتياجات الماضي تختلف عن احتياجات الحاضر كما وكيفا. احتياجات المستقبل أيضا تختلف كما وكيفا عن الماضي وعن الحاضر.<br />في مجال استدامة المياه، كل الإجراءات يجب أن تخضع للتوظيف الإحصائيات، فهي تقدم خارطة طريق ناجحة للمستقبل. تجاهل الاحصائيات الموثقة تعطيل لمنافع علم الإحصاء، وهذا يقود إلى كوارث صادمة ومربكة إذا وقع المحذور من مؤشراتها العلمية. لا للحدس والتخمين والاتكال. ولكن: «أعقلها وتوكل».<br />تقول العرب التي لم تتعلم الإحصاء في الجامعات، ولم تمارسه كعلم: «لا تضع بيضك في سلة واحدة». لكم الإبحار في مدلول مؤشرات هذا المثل ونتائجه. نحن لا نعرف متى تقع السلة على الأرض. لا نعرف متى يتكسر البيض. لكن نعرف مدلول السلامة من هذا المثل. لا نعرف كم من البيض سيبقى في حال طاحت السلة. أيضا لا نضمن عدم تعرضها للسقوط. هذا يعني الا نترك شيئا للحدس والتخمين. لأن هذا يعني اجتهاد حتى وإن كان سليما، لأننا لا نضمن السلامة إلا من خلال المعالجة العلمية الدقيقة التي كما تقول العرب: لا تخر الماء.<br />مع الماء يجب تلافي إخضاع المستقبل لأي اجتهاد. كل خطوة وتصرف يجب أن تأتي من حقائق علمية، وليس اجتهادات تعمل لإخضاع مصير بلد وأمة لأبعادها. ويستمر الحديث.<br />DrAlghamdiMH@