<br />كنت أعتقد أن الرواية مجرد سوالف!، ولن أضيع وقتي في قراءتها، فانشغلت بكتب أخرى أرى أنها أهم وأعمق، ولكن حين كبرت وقرأت أكثر، أدركت أن الرواية هي فن أدبي له تأثيره الواسع والقوي، حيث بعضها يعكس الواقع الاجتماعي، وبعضها يبين دهاليز السياسية، وأخرى تتحدث عن المستقبل، وقد يُصب البعض منهم في تنبُئه.<br />وبوجد كذلك مجال آخر للروايات يسمى «الفنتازيا»، وهو إبداع وابتكار لشخصيات مثيرة ومتخيلة، وأحداث شيقة وخيالية قد تلامس طيف الواقع، وفيها وصف وسرد متتابع. بالإضافة إلى حوارات يطرح فيها المؤلف وجهة نظره بين السطور، وعلى القارئ الفطن معرفة ما يرمي إليه الروائي.<br />ولقد انتشرت مؤخرا وبشكل مذهل وسريع في العالم العربي سلسلة روايات «فنتازيا» للروائي السعودي أسامة المسلم. وكان لتلك الروايات صدى وإقبالا غير مسبوق، وكذلك أثارت جدلا محتدما، وشدا وجذبا في نقدها والحديث عنها. وكنت قرأت البعض منها في بدايات نشرها، وقبل طوفان «الشهرة». ولعلي أطرح بعضا من الملاحظات عن هذا الموضوع بما يسمح به المقال والمقام.<br />أولا: علينا الابتعاد دوما عن شخصنة المسائل في الأعمال الأدبية والعلمية، وأن يكون النقد موجها للنص فقط. فنقد شخصية المؤلف لا تقدم ولا تؤخر في جودة العمل. ونقد الأفراد من أي طرف كان، هو يقلل من جودة ومصداقية الناقد لا المنقود!<br />ثانيا: دعونا نتساءل ما الفرق بين شهرة بعض الروايات العالمية مثل «هاري بوتر» وهذه الروايات التي كتبت محليا وانتشرت عربيا؟ بل على العكس، حين يكون المنتج سعودي وينتشر، فلابد من دعمه، أليس ذلك ما تفعله باقي الشعوب مع منتجاتهم؟!<br />ثالثا: ظاهرة الزحام والإقبال على القراءة بهذا الشكل الرائع هو أمر حسن وظاهرة صحية، والأجمل من ذلك أن المتزاحمون هم من المراهقين والشباب، وهذا يعني أنه ما زال هناك من النشء من يحب القراءة. والذي زادني ابتهاجا، هو رؤيتي للشباب والشابات يحملون كتبا ورقية جنبا إلى جنب هواتفهم الذكية، حيث أني كنت ولا زلت من أنصار ومحبي الكتاب الورقي. فاللهم أدم علينا نعمة الكتب الورقية.<br />رابعا: الذين ينتقدون مثل هذه الظواهر، فإن نظرة سريعة للتاريخ سنجد فيها العشرات من الأمثلة لظواهر مشابهة ومتجددة. ونعلم من التاريخ أيضا، أن من المؤلفين والروائيين والشعراء وغيرهم كانت الهجمة عليهم شرسة في بداياتهم، ثم الزمن كان كفيلا للعمل الرصين الجيد أن يبقى، والعمل الغير متقن سيختفي حتما. ولذلك فليس هناك داع أبدا لأي خصومات أو تراشق بالكلام الظاهر أو المبطن، لن الأيام والتاريخ ستمحص الأعمال الأدبية والفنية تلقائيا!<br />خامسا: عدد من النجاحات والشهرة «لا أقول كلها بل بعضها» كان وراءها عمل دؤوب، وتعب وجهد، ولم تخرج من فراغ أو عبث وكسل.<br />سادسا: الذي يتحسس أو يجد غيرة «ولا أقول حسدا حتى أحسن الظن» من شهرة بعض الأشخاص والمؤثرين خصوصا في مجال العلم والأدب، نقول له: هوينك، فلابد أن تعلم أن الشهرة ليس فقط سلاح ذو حدين، بل وراء كواليس قد تكون عبأ ثقيلا على المشهورين أنفسهم، لأنه من النادر أن تبقى أنت كما أنت قبل الشهرة وبعدها. واسألوا إن شئتم الإمام أبو حامد الغزالي -رحمه الله- حين كان نارا على رأس علم «سوبر ستار» في زمنه، وفي عز شبابه، وقد تحدث بشفافية تامة عما كان يعانيه مع نفسه بسبب الشهرة في كتابه «المنقذ من الضلال».<br />وأخيرا، من أجل أن تطمئن أيها القارئ الكريم، ويطمئن الذي في نفسه شيء من بعض المشاهير، نقول: هي أرزاق مقسمة، ولكن المعضلة الحقيقة في الشهرة أن نحمل أثقالا مع أثقالنا!<br />@abdullaghannam