<br />في ثنايا مواقفنا الحياتية وتعاملاتنا اليومية نلحظ فئام من البشر من بني جلدتنا ويتحدثون بألسنتنا ولكنهم بسمات مختلفة تدفع الناس للنفور منهم وتجنب التعامل معهم طمعاً في اتقاء شرهم، وغلظ أسلوبهم، وجفوة طبائعهم؛ وما ذاك إلا لإصابتهم بحالة مرضية ذهانية تسمى بجنون العظمة والمتمثل في اعتقاد المصاب باستحقاقه وتميزه المفرط، وأهليته دون سائر البشر، ومن ثم يتولد عنها عدد من التصورات العقلية الفاسدة كمحورية الكون وتفردية القدرات والمواهب ليشاهدها الآخرون بعد ذلك واقعاً ملموساً في سلوكياته اللفظية المتجسدة في لغة الأنا الطاغية، وذوبان الآخرين في شخصيته، والإفراط في تمجيد الذات بامتلاك قدرات جبارة وقابليات استثنائية أو مواهب مميزة أو أموال طائلة أو علاقات مهمة مخالفاً للواقع، وتشبعاً بما ليس فيه زوراً وبهتاناً، وتارة من خلال لغة جسده وطريقة لباسه وأسلوب أكله وشرابه، وإبرازه للسعادة المصطنعة والبسمة المزيفة ليوصل رسالته لمحيطه بأنني مختلف جوهراً ومظهراً عن الآخرين.<br />ومن خلال قراءة تحليلية لشخصيات أولئك المرضى نجد أنهم يتنقلون بصورة مفاجئة بحسب الحال والمقال بين منزلتين أحدهما: الشعور بمشاعر العظمة، والاستخفاف بالآخرين، والصدود عن استماع النصيحة والنقد الهادف البنّاء والمغلف بقالب المحبة والأخوة ممن هم في إطار محيطه، فيعمد إلى التحقير من مضمون النصيحة ومن قائلها. وتارة بإبراز مشاعر الاضطهاد، والمظلومية، والشعور بالدونية والمؤامرة للإحاطة به، والنيل من قدراته النوعية والخارقة، وعدم تقديره التقدير اللائق به وبقدراته وإمكانياته، ومما لا شك فيه أن جذور تلك الإصابة تعود لثمة أسباب نفسية واجتماعية تسهم في إبراز تلك المشكلة وتعزيز ظواهرها ومن أبرز تلك الأسباب تقمص المصاب لشخصيات بارز في المجتمع وذات إسهامات نوعية كالعلماء العظماء، والقادة النجباء، وملهمي العالم من ذوي التميز والأثر، والمرجعيات العلمية الأكاديمية والبحثية في مختلف التخصصات العلمية والنظرية؛ مما ينتج عنه اعتداد المصاب بنفسه وفق منهجية فرعونية حكاها الله تعالى في القرآن الكريم ألا وهي: «ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد»، وتكبره عن الاعتذار حال الوقوع في الخطأ بل الإصرار عليه بحجة صواب الرأي لديه، واستهزائه بالآخرين وقدحه في إمكانياتهم وقدراتهم، ووسمه لهم بأبشع الصفات وسيء الخصال ليتربع على قمته المزعومة ومجده الموهوم، وليلفت الأنظار إليه بطريقة الإعجاب والانبهار.<br />ولأجلهم يُعاني أفراد المجتمع باختلاف مواقعهم الوظيفية والاجتماعية من التعامل مع أولئك المصابين بداء العظمة الزائفة ليفضلوا الخروج بأقل الخسائر، والمحافظة على ما تبقى من جسور التواصل للاستفادة مما لديهم من جوانب إيجابية ومهارات مهنية، مما يبرز تساؤلا مهما حول التعامل معهم بكفاءة واقتدار، فمن أهم الأساليب في التعامل مع أولئك المصابين بداء العظمة التحدث معهم بعبارة واضحة وسهلة لا تتحمل إلا وجهاً واحداً عند التأويل والتفسير للحد من فرص إساءة الفهم والتفسير وبناء الأحكام الشخصية تبعاً لذلك، وتفادياً لتفاقم أعراض مرض جنون العظمة. ومن الأساليب كذلك تجنب الجدال معهم، ومحاولة الاستماع إلى بطولاتهم وخيالاتهم وأفكارهم الوهمية بصورة جيدة دون أن تتجادل معهم، فالأحداث غير الحقيقية وغير المنطقية أيضًا بالنسبة لهم واقعية ومتسلسلة، وعندئذ ستكون شخصية أسطورية لديهم، والركن الذي يأوون إليه عند الرغبة في الحديث عن الأحداث والبطولات.<br /><br />جامعة الملك خالد