نرى الإسلامَ يعيشُ في محنةٍ من داخله أكثر من أن تكون من خارجه، ومِنْ بعض أبنائهِ أكثرَ من جموع أعدائه، ومِن فريقٍ من دعاتُهِ أكثرَ مِن المتربّصين به. ذلك أنَّ بعضَ الذين وصلوا في غلفةٍ مِن أُمّتِهِم إلى تقلّدِ الأمورِ في بعض الشعوبِ العربيةِ والإسلاميةِ، يقفونَ من حركاتِ التحرّرِ والانبعاثِ في شعوبهم موقفَ العداءِ والكيد، ويتآمرونَ مع أعداءِ أمّتِهِمْ على كلِّ ما يزيدُ من القيودِ في رقابِ شعوبهم، ويبيعونَ بلادهمْ بيعَ الوكلاءِ اللّصوص، دونَ أن تكونَ في قلوبهمْ خشيةٌ من اللهِ تمنعُهُمْ من عصيانه، أو تكونَ لهم ضمائرُ تخجلُ مِن شعوبهمْ في حياتهم، وتُحذّرُ من لعنةِ التاريخِ وعذابِ الله بعدَ هلاكهمْ. صَرْعى الشَّهوات وبعضُ الذينَ يزعمونُ الدعوةَ إلى اللهِ، قد ابتُليَ منهم الإسلامُ بأطفالٍ أغرارٍ قصارِ النَّظر، صرعى الشّهوات، يخدَعُهُمْ عن صدقِ الجوهرِ كاذبُ المظهر، ويَنحرفُ بهم عن تفهُّمِ حقيقةِ المعركةِ حِقدٌ شخصيٌّ دفين، أو هوىً قاتل، أو مَغنمٌ حُرِموا منه، ظانينَ أنَّ اللهَ لا يعلمُ المفسدَ مِنَ المصلح، واللهُ يعلمُ خائنةَ الأعينِ وما تُخفي الصدور. ولولا ما اتّصفوا بهِ ممّا ذكرنا مِنْ بعضِ خلائقهم، لما استجازوا أن يُحاربوا الذين يعملونَ على تحريرِ العربِ والمسلمينَ من إسارِ الاستعمارِ وأخطارَ الصهيونية، وهوانِ الضّعفِ والاحتقار، حتى يملكوا القوّة، ويطردوا المستعمر، ويقطعوا على اللصِّ طريقَه، ويكشفوا للعالمِ جرائمه. لِواءُ الخَوَنَة لقد استجازوا باسمِ الإسلامِ أنُ ينضووا تحتَ لواءِ الخونَةِ والفَسَقَةِ والفَجَرةِ الذين يبدّلون أحكامَ شريعةِ اللهِ بجُرأةٍ لم يبلُغها أعداءُ اللهِ المستعمرون، ويستَعدونَ الجيوشَ الأجنبيةَ على بلادِهمْ وَأُمّتِهِم لاحتلالها وإذلالها لتُسانِدَ عروشَهُم، وتُثبّتَ أركانَ جرائِمِهِمْ ووجودَهُم، ويفاخرونَ بارتباطِهِمْ معَ الأجنبيِّ الغازي، ويُعلنونَ عن تبعيتّهمْ وولائِهِم له، ويمدّون إليهِ أيديَهُمْ القذِرَةَ في هوان، ويستجدونَ "الهِبات" و"الإعانات" لينُفقوها على لياليهم الحمراء، وأتباعِهِم النُّذُلاء، وأَنصارِهم مِن أولئكَ الحمقى الخبثاء.