والمشار إليها بالفصل 4 من القانون عدد 41 لسنة 2024 المؤرّخ في 2 أوت 2024 والمتعلّق بتنقيح بعض أحكام المجلة التجاريّة و إتمامها، وإسهاما في التعريف بالنظام القانوني الجديد للشيكات وتبسيطه، نتعرّض في هذا المقال إلى أهمّ التّجديدات الواردة بالأحكام التي دخلت مؤخرا حيز النّفاذ، والمتعلّقة أساسا بالجوانب العمليّة والجزائيّة لاستعمال الشيكات.
الجزء الأوّل: القواعد الجديدة لإستعمال الشّيك و خصائصه الفنيّة:
يمكن تلخيص أهمّ هذه التّجديدات في النّقاط التّالية:
1- قواعد جديدة لتسليم دفاتر الشّيكات:
تبعا للأحكام الجديدة، يتعيّن على البنك، وقبل تسليم صيغ شيكات للحريف، أن يسترشد لدى البنك المركزي عن وضع صاحب الحساب، ودراسة ملاءته المالية La capacité financière وتقييمها باعتبار مستوى التّداين بالنسبة إلى التزاماته الماليّة وتحديد قدرته على تغطية الدّفوعات بالشيك خلال مدة معيّنة، تفاديا لصدور شيكات دون رصيد.
2- قواعد جديدة متعلّقة بدفتر الشّيكات:
أصبح البنك وفق القانون الجديد، يحدّد سقف دفتر الشّيكات حسب الملاءة الماليّة لكلّ حريف. ويتمّ تقسيم هذا السّقف على عدد الشيكات الموجودة بالدّفتر، والتنصيص وجوبا أعلى كل ورقة شيك على قيمته القصوى، التي لا يمكن إصدار الشّيك بمبلغ يفوقها، والتي لا يمكن أن تتجاوز في كل الحالات مبلغا قدره ثلاثون ألف دينار. ويمكن أن تكون أسقف الشّيكات بالدفتر متفاوتة أو ثابتة المبلغ حسب طلب الحريف.
ويحتوي الدّفتر على صيغ شيكات مسطّرة، غير أنّه يمكن للبنك تسليم الحريف دفترا يتضمن شيكات غير مسطّرة عند الضّرورة. ويُحدّد البنك لكل دفتر شيكات مدّة صلوحيّة لا تقل عن ستّة أشهر يُضمَّنُ تاريخ انقضائها بأسفل كل شيك.
3- قواعد جديدة تتعلّق بشكل الشّيك وتنصيصاته:
بالإضافة إلى التّنصيصات المعهودة في الشّيك، أقرّ القانون الجديد تنصيصات وجوبيّة أخرى يفقد الشّيك في غيابها كلّ قيمة قانونيّة.
وتتمثّل التّنصيصات الجديدة بالأساس في القيمة القصوى لمبلغ الشّيك و تاريخ صلوحيّته و تسمية المستفيد.
كما أنّ الشّيك لا يعتبر شيكا حسب القانون، إذا تضمّن مبلغا يتجاوز قيمته القصوى أو في حالة عرضه للخلاص بعد ثمانية أيّام عمل من تاريخ نهاية صلوحيّته.
ويجب أن يتضمّن الشّيك معلومات التحقق الالكتروني ورمز الاستجابة السريعة QR Code.
4- إحداث منصّة رقميّة موحّدة خاصة بالمعاملات بالشّيك:
بمقتضى القانون الجديد، تمّ إحداث منصة رقميّة خاصّة بالمعاملات بالشيك بمبادرة من البنك المركزي، أطلقت عليها تسمية Tunichèque وتنخرط فيها وجوبا جميع البنوك. وإلى حدود 3 فيفري 2025 انخرطت في هذه المنصة 23 مؤسّسة ماليّة.
وتُمكّن المنصّة بالخصوص المستفيد من الشيك من التّثبّت الفوري من وجود رصيد كاف لخلاصه أو من وجود اعتراض على الخلاص بسبب السرقة أو الضّياع أو تحاجير على صاحبه أو ما إذا كان الحساب البنكي مغلقا.
وعلى المستفيد من الشّيك أن يطّلع على مدى توفر الرّصيد بحساب الساحب عبر المنصّة، وإشعار البنك بواسطتها في الحين بطلب تخصيص المبلغ المضمن بالشيك على ذمّته.
كما توفر المنصّة وجوبا إشعارا فوريا للمستفيد بالمصادقة على المعاملة وبتخصيص المبلغ المضمّن بالشيك على ذمته خلال كامل المدة المتبقية لصلوحيّة الشيك يُضاف إليها ثمانية أيام عمل.
وبالإضافة لمظاهر التجديد هذه، فإن القانون جاء بتجديدات هامّة أخرى تتعلق أساسا بالجوانب الجزائيّة لإستعمال الشّيكات.
الجزء الثاني: الجوانب الجزائية الجديدة المتعلقة بالشيكات:
يمكن تلخيص أهم هذه الجوانب في النقاط التّالية:
1- إلغاء التّجريم بخصوص إصدار شيك بدون رصيد لا يفوق مبلغه خمسة آلاف دينار:
بمقتضى القانون الجديد أصبح تجريم اصدار شيك بدون رصيد يقتصر على الشيك الذي يتجاوز مبلغه خمسة آلاف دينار. في المقابل، فإنّ إصدار شيك بدون رصيد لا يتجاوز مبلغه خمسة آلاف دينار، لم يعد يشكّل جريمة بصريح القانون.
2- التّقليص من عقاب جريمة إصدار شيك بدون رصيد:
بالإضافة إلى حصر جريمة اصدار شيك بدون رصيد في الشّيكات التي تتجاوز مبالغها خمسة آلاف دينار، فإنّ القانون الجديد قلّص من عقوبة إصدارشيك بدون رصيد لتصبح السّجن مدّة عامين وخطيّة بعشرين بالمائة من مبلغ الشيك أو المبلغ المتبقي منه بعد ما كانت العقوبة خمس سنوات سجنا و خطية بأربعين بالمائة من المبلغ.
3- تجريم استعمال الشيك كوسيلة ضمان أو دفع مؤجّل:
بغاية التصدي إلى ظاهرة الحياد بالشيك عن وظيفته كأداة خلاص حيني، أقرّ المشرّع جرائم جديدة من أهمّها تجريم قبول شيكات مؤجّلة الدّفع Chèques antidatés أو شيكات على وجه الضمانChèques de garantie . ما يعني أنّ المستفيد الذي يقبل شيكات مؤجلة الدفع أو على وجه الضمان، أصبح يعاقب بالسّجن مدة عامين و بخطية مالية بعشرين بالمائة من مبلغ الشيك.
وبعودة الشّيك إلى وظيفته الأصليّة كوسيلة خلاص حيني، يُنتظر أن تعود الكمبيالة إلى لعب دورها كوسيلة دفع مؤجّل، خاصّة في حالات البيع بالتقسيط، يضاف إليها إنطلاق بعض البنوك مؤخّرا في تسويق بطاقات بنكيّة جديدة لخلاص المشتريات بالتّقسيط تُمكّن حاملها من قرض مشخّص و متجدّد حسب حاجياته يتراوح مبلغه بين 500 و20000 دينار.
4- تضييق مجال ممارسة الدعوى العمومية بخصوص جريمة إصدار شيك بدون رصيد:
من أهمّ التّجديدات التي جاء بها قانون 2 أوت 2024، أنّ التتبعات الجزائية من أجل جريمة الشيك بدون رصيد أصبحت لا تثار إلا بناءا على شكاية من المستفيد.
ووفق القانون الجديد، فإنّ إثارة الدعوى العموميّة ليست آليّة مباشرة، بل صار يتخلّلها الصلح بالوساطة الذي يكون من أنظار وكيل الجمهوريّة المختص. و هذا يعني أنّ وكيل الجمهورية، وبعد مدّه بالملف من الشّاكي أو المصرف المسحوب عليه، وقبل اثارة الدعوى العمومية، يعرض في مدة لا تتجاوز شهرا، الصلح بالوساطة على المستفيد من الشيك والساحب المشتكى به.
وفي جلسة الصّلح يُضمّن وكيل الجمهورية الاتفاقات الي توصّل لها الطرفان في محضر أو يأذن لهما بإبرام اتفاق صلح بالحجة العادلة يتّفقان فيه بالخصوص على طرق الدّفع وأقساطه ومدّته التي لا يمكن أن تتجاوز تسعة أشهر من تاريخ الإمضاء يمكن التمديد فيها بصفة استثنائية مرّة واحدة لمدة ثلاثة أشهر.
وبخصوص الحجّة العادلة التي يحرّرها عدل الإشهاد، سواء تعلقت باتفاق الصلح بالوساطة المذكور أو باتفاق تسوية أو التزام أحادي الجانب المنصوص عليهما بالفصل 6 من القانون عدد 41 لسنة 2024 المؤرّخ في 2 أوت 2024، فإنّ عدل الإشهاد يستحق عن الحجّة المذكورة، سواء تعلقت بشيك واحد أو أكثر، مبلغا جمليّا قدره ستّون دينارا باعتبار كل المعاليم والأداءات طبقا للقرار المشترك من وزيرة العدل و وزيرة الماليّة المؤرّخ في 4 فيفري 2025 والمتعلق بضبط أتعاب عدول الإشهاد المنصوص عليها بالقانون عدد 41 لسنة 2024 المذكور.