بذريعة إعادة الإعمار ترامب يكشف عن خطة التهجير:  مسيرة العودة على الأقدام تسقط مشروع الاحتلال وداعميه

منذ ساعات صباح يوم الإثنين وإلى غاية ساعات المساء عاش شارعا الرشيد وصلاح الدين في غزة

تدفق عشرات الآلاف من الفلسطينيين العائدين إلى ما تبقى من حطام منازلهم التي غادروها منذ أكثر من سنة رافعين رايات النصر والشعارات المساندة للمقاومة لتحمل معها ردّهم على ما يخطط له الاحتلال بدعم من الرئيس الأمريكي ترامب الذي كشف عن سعيه إلى تهجير 1.5 مليون فلسطيني من غزة إلى دول الجوار.

رحلة العودة على الأقدام التي قطعها آلاف الفلسطينيين الذين تنقلوا من جنوب غزة إلى شمالها قاطعين عشرات الكيلومترات حاملين معهم زادهم وزوادهم لإعادة الاستقرار في شمال القطاع المدمر، وجّهوا رسالة واضحة للاحتلال وداعميه بأن مخططات التهجير الصريحة والمقنعة لن تنجح حتى وإن تكالب عليهم الجميع.

رسالة سكان شمال غزة بعودتهم إلى ما تبقى من منازلهم التي دكتها صواريخ الاحتلال فيها كسر لكل محاولات تصفية قضيتهم والانتقال بها إلى مربع الأزمة الإنسانية كما تسعى الإدارة الأمريكية أن تسوق له، وما فضحته تصريحات الرئيس الأمريكي الـ 45 دونالد ترامب التي تستند إلى أن غزة باتت مكانًا مدمرًا يجب أن يُعاد إعمارُه لكن بعد إخلائه من أعداد كبيرة من سكانه لتسهيل عملية إعادة الإعمار.

خطة اتصل من أجلها بالعاهل الأردني وسيتصل بالرئيس المصري ليدعوهما إلى استقبال الفلسطينيين دون أن يقدم لهم أية ضمانات بعودتهم، بل لمح في تصريحه إلى أن خيار العودة غير مطروح بإشارته إلى أن استقبال مصر والأردن للفلسطينيين من قطاع غزة خطوة نحو سلام دائم في المنطقة.

خطة سلام ترامب القائمة على تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة وتطهيره من أهله وجدت مباركة من أقصى اليمين في كيان الاحتلال الصهيوني، وهو ما بينته تصريحات إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، الذي أعلن أنه أعد خطة سيعرضها على رئيس حكومته تتضمن تهجير سكان غزة والتشجيع على الاستيطان في القطاع، ليحيي بذلك مخططات الاحتلال التي كشف عنها منذ أكتوبر 2023، أي أياما بعد عملية «طوفان الأقصى».

في بداية حرب الإبادة الصهيونية على قطاع غزة كشفت وسائل إعلام عبرية وغربية عن تصور صهيوني يتضمن الضغط على سكان قطاع غزة لدفعهم إلى التوجه جنوبًا أي إلى رفح في إطار خطة أشمل تتضمن تهجيرهم القسري إلى سيناء، وهو ما رفضته المقاومة ومصر التي صعّدت من حدة خطابها.

تصعيد خطابي تكرر مرة أخرى من الإدارة المصرية التي أعلن رئيسها عبد الفتاح السيسي أن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء «خط أحمر» لن يقع السماح به مهما كانت الضغوط، بل وحذر من رد فعل مصري إذا وقع التمسك بهذه الخطة الصهيونية الأمريكية التي سبق أن أعلنها ترامب في عهدته الأولى في إطار صفقة القرن.

صفقة تضمنت في بنودها تهجير الفلسطينيين من غزة إلى عدة مدن جديدة يقع إنشاؤها في صحراء النقب، عادت هذه المرة بتعديلات جديدة تقوم على تهجير سكان غزة إلى دول الجوار، مثل مصر والأردن، كجزء من تسوية شاملة للقضية الفلسطينية في إطار استراتيجية طويلة الأمد لتفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها وترسيخ سيطرة الاحتلال على الأراضي الفلسطينية عبر قضم مناطق وضمها إلى الكيان.

هذه الخطة التي فشلت في بداية الحرب يبدو أنها في طريقها للفشل الآن في ظل رفض مصري و أردني لإقامة مخيمات للفلسطينيين على أراضيهما ورفضهما أية عملية تهجير تحت أي مسمى، وهو ما تسانده جل الدول العربية وفق مواقفها الرسمية على الأقل. جاء فيه الرفض المطلق لتهجير الفلسطينيين والتأكيد على حقهم في البقاء على أرضهم ورفض أي محاولات لتوطينهم خارج فلسطين.

رفض مخططات التهجير أُعلن من قبل عدة دول ومنظمات دولية رأت في تصريحات ترامب الأخيرة «دعوة للتهجير القسري» للفلسطينيين، وهو انتهاك للقانون الدولي الإنساني. لكن يبدو أن الإدارة الأمريكية الراهنة أشد صلفًا من سابقتها في علاقة بالكشف عن موقفها المشجع على التهجير في إطار المخططات التي تهدف إلى تحويل القضية الفلسطينية من حرب تحرر ومقاومة للاحتلال إلى أزمة إنسانية متعلقة باللاجئين ومنح الاحتلال هوامش لفرض وقائع جديدة على الأرض من خلال شرعنة احتلاله لها وتوسيع سيطرته على الأراضي الفلسطينية وفرض واقع إقليمي جديد.

واقع يسعى كل طرف اليوم إلى رسمه وتشكيله بما يتناسب ومصالحه، مما يفرض تحديات على المنتظم الأممي وعلى مدى قدرته على فرض احترام القانون الدولي ووضع حد للانتهاكات الصهيونية بدعم أمريكي بما يهدد استقرار المنطقة برمتها