تطورات المشهد في الشرق الأوسط وفي غزة:  خلط الأوراق لتحسين شروط التفاوض ... رد المقاومة

«الجحيم أو التهجير» ذلك ما يعرضه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من خيارات أمام المقاومة الفلسطينية

التي أعلنت عن تأجيل تسليم دفعة جديدة من الأسرى لديها على خلفية عدم التزام الاحتلال ببنود اتفاق وقف إطلاق النار.

خطوة المقاومة، بمجرد الإعلان عنها، قوبلت بتهديد مباشر من الرئيس الأمريكي بـ«الجحيم» إذا لم يتم تسليم الأسرى قبل حلول الساعة 12 من نهار السبت القادم، وذلك ما يكشف الكثير عن نهج الإدارة الأمريكية في التعامل مع القضية الفلسطينية وحرب الإبادة التي يشنها الاحتلال بحقهم، والتي انتصر لها ترامب، وهو يسوّق للتهجير والاستيلاء على أراضي قطاع غزة، مما شجع رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، على الإقدام على جملة من المناورات السياسية سعيا الى إفشال الصفقة وعرقلة تنفيذ بنودها، في محاولة لتعزيز وضعه السياسي الداخلي والتملص من الضغوط الدولية.

بعد تردد الاحتلال في الأيام الأولى للهدنة في تنفيذ التزاماته، ومنها تسهيل عودة النازحين إلى شمال قطاع غزة، ووقف العمليات العسكرية التي ظلت مستمرة ولو بوتيرة أقل لكنها لم تتوقف بشكل كامل، أبطأ أيضًا إدخال المساعدات الإنسانية، مما نجم عنه تفاقم الأزمة في القطاع.

انتهاكات الاحتلال وعدم التزامه ببنود الاتفاق وشروطه كانت جلية خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، وقد تصاعدت مع تصريحات ترامب في علاقة بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة وتوطينهم في دول الجوار، وتشديده على أنه سينفذ مشروعه ولو بالضغط على دول الجوار واستخدام ورقة المساعدات المالية.

التقاء طموح الاحتلال مع تصور الرئيس الأمريكي لإدارة الصراع العربي-الصهيوني، يبدو أنه دفع بالمقاومة الفلسطينية إلى مراجعة موقفها، وقد خلصت إلى أن استمرار الالتزام من جانب واحد لن يؤدي إلا إلى مزيد من التلاعب، وبالتالي اتخذت خطوة تأجيل التسليم لتعلن بشكل صريح أنها على استعداد لاستئناف الحرب إذا فرضت عليها.

فالمقاومة، التي حرصت خلال الأسابيع الفارطة على استعراض قوتها العسكرية واستعداداتها، تدرك أن التلويح بتأجيل تسليم الأسرى قد يُستغل من قبل حكومة الاحتلال لإسقاط الاتفاق، لذلك لا يبدو أنها اتخذت هذه الخطوة دون تقدير سليم للمشهد، سواء في علاقة بقدرتها على خوض الحرب من جديد أو بقدرة حاضنتها الشعبية على تحمل هذه الحرب، والأهم قراءتها للمشهد الداخلي، فدولة الاحتلال، التي يواجه رئيس حكومتها ضغوطًا داخلية متزايدة من عائلات الأسرى للالتزام بالاتفاق، إضافة إلى تصاعد حدة الانتقادات الدولية والرفض الصريح لخطط التهجير، والأهم موقف الدول العربية المطبعة التي باتت في حرج شديد دفعها الى اتخاذ موقف مناصر للفلسطينيين وقضيتهم.

تداخل الأوراق وتشعبها يمنح المقاومة أفضلية نسبية في دفع الاحتلال إلى التراجع خطوات عن مخططاته والالتزام ببنود الاتفاق، واذا حصل هذا سيمنح المقاومة نقاط قوة إضافية في أية مفاوضات تتعلق بمستقبل القطاع بعد الحرب، أي ملف إعادة الإعمار وإدارة القطاع.

و يتعمد الاحتلال التلاعب والمناورة لتحميل المقاومة مسؤولية أي انهيار محتمل للاتفاق، غير أن خطوة المقاومة وإعلانها عن تأجيل تنفيذ بقية بنود الاتفاق إلى حين التزام الاحتلال بالجزء المخصص له يعيد خلط حساباته، ويسلط ضغطًا على الوسطاء، خاصة الثنائي العربي مصر وقطر، ومن خلفهما كل الدول العربية في موقف محرج، خاصة بعد تصريحات نتنياهو عن إقامة دولة فلسطينية على الأراضي السعودية أو تهديد ترامب لمصر والأردن بوقف المساعدات إذا لم ترضخا لطلبه باستقبال الفلسطينيين.

مشهد بات أكثر تعقيدًا، تداخلت فيه المصالح والتقديرات، وأعيد تشكيله بتصريحات الاحتلال وداعميه، التي مثلت بشكل فج إهانة علنية للدول العربية ذات التأثير الإقليمي، مصر والسعودية، وجعلتهما أمام خيارات محدودة، قد يُكشف عنها خلال الأيام القادمة في قمة الدول العربية في نهاية الشهر الجاري.

قمة قد تنظر في عدة ملفات، ومنها انهيار الاتفاق وعودة الحرب في قطاع غزة، مما يجعل الخيارات محدودة ليس من بينها الصمت أو التواطؤ، لأنه اتضح جليًا لهم أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة لا مكان لهم فيها إذا تم تحقيق مشروع ترامب والاحتلال في تهجير الفلسطينيين من غزة أو إجبار المقاومة، بضغط عربي، على تقديم تنازلات موجعة تنهي تفوقها الميداني في القطاع