حكومة الاحتلال تناور سياسيا وتصعد عسكريا:  تجدد محاولات ابتزاز المقاومة ونزع سلاحها

يبدو أن الاحتلال الصهيوني لازال يمني النفس بأن يحقق أهداف حرب الإبادة،

وهذه المرة عبر المناورة السياسية التي يراهن على أنها قد تحقق له ما عجز عنه في حرب إبادة استمرت لـ15 شهراً، وهو أن ينتزع من المقاومة سلاحها، وأن يدفع قادتها لمغادرة غزة كخيار بديل عن خطة التهجير التي اقترحها الرئيس الأمريكي ترامب.

مناورات الاحتلال تصاعدت مع بلوغ اتفاق وقف إطلاق النار لأسبوعه السادس، بخطوات سعى بها رئيس حكومة الاحتلال لإعادة رسم قواعد التفاوض مع المقاومة، خاصة مع حركة حماس، عبر ضغط سياسي وتلويح باستئناف الحرب لفرض شروط جديدة قبل استئناف مفاوضات المرحلة الثانية من الاتفاق.

مناورات شملت التراجع عن الإفراج عن 600 أسير فلسطيني في دفعة السبت الفارط والتحجج بأن التراجع عن إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين وفق بنود الصفقة مرده ما حملته مراسم تسليم المقاومة لأسرى الاحتلال من إهانة، حجة يرغب من خلالها الاحتلال بتمرير خطوته الساعية الى جس النبض ومعرفة إلى أي حد يمكنها أن تناور وتضغط على المقاومة في غزة لتدفعها إلى تقديم تنازلات.

مناورة تنطلق من قراءة خاصة بقادة الاحتلال مفادها أن المقاومة ترغب في استمرار الصفقة، بل وهي حريصة على أن تمضي فيها، مما يجعلها مهيأة لتقديم تنازلات خاصة بالتلويح بالعودة الى حرب الإبادة، وذلك ما يهدد به رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بقوله إن حكومته «مستعدة للعودة إلى القتال في أية لحظة، مؤكدًا أن أهداف الحرب لم تتغير، وتشمل استعادة المختطفين وتدمير قدرات حماس وإزالة أي تهديد». هذا دون أن يغفل عن الإعلان عن تلقي الاحتلال لشحنات أسلحة أمريكية نوعية عززت القدرات العسكرية.

هذه الخطوات والتصريحات تعكس وجود تصور لدى الاحتلال قائم على مواصلة الضغط الميداني، لفرض شروط تفاوضية تحقق له مكاسب استراتيجية على جبهات متعددة، سواء عبر التصعيد العسكري الميداني أو عبر المناورات السياسية التي تستهدف التأثير على المقاومة الفلسطينية. هذه المناورات، التي لا تقتصر على المعركة الحالية بل تتجاوزها إلى ما بعد الحرب، تتوجه بشكل خاص نحو الضغط على حركة حماس في عدة ملفات حساسة، أبرزها ملف السلاح والأنفاق.

على الأرض تتواصل العمليات العسكرية للاحتلال في قطاع غزة باستهدافات محدودة، لتكشف سعيه لفرض توازن جديد يتيح له امتلاك أوراق ضغط في أية مفاوضات مستقبلية، والهدف هنا أن يحسن الاحتلال من شروط التفاوض المتعلقة بالمرحلة الثانية من الاتفاق.

من الواضح أن التصعيد العسكري الذي يبدو أن الاحتلال لازال يعتقد أنه من أبرز أدوات الضغط، والتهديد للضغط على المقاومة وابتزازها لتقديم تنازلات. ففي الأسابيع الأخيرة، كشفت المقاومة عن حسن استعدادها لأية جولة جديدة في الحرب وقدرتها على خوض حرب استنزاف مع الاحتلال تعمق خسائره.

رسائل المقاومة التي تتجاوز الإعلان عن الاستعداد العسكري والميداني لاستئناف الحرب، تتضمن إعلانًا صريحًا بأن استعادة الاحتلال لأسراه لن تتم إلا بصفقة، وبالتالي فإن مناورة الاحتلال والتهديد بالحرب ومحاولة الابتزاز قد تؤدي إلى نتائج عكسية.

لذلك يبدو أن رهان الاحتلال ليس على القوة العسكرية بل على المناورة السياسية والضغط الذي يسعى الى تحقيق أهداف الاحتلال المتمثلة في استعادة أسراه لدى المقاومة، لكن بالأساس تدمير القدرات العسكرية للمقاومة وذلك بنزع سلاحها تحت أي مسمى وتدمير شبكة الأنفاق. وتدرك أن هذا غير ممكن إلا بإضعاف المقاومة وعزلها عن حاضنتها الشعبية.

أهداف يدرك الاحتلال كذلك داعموه وحلفاؤه أنها غير ممكنة دون تحركات على كل الأصعدة تهدف إلى إعادة تشكيل الجغرافيا الفلسطينية واستخدام أية ورقة كأداة لتشديد الخناق على المقاومة الفلسطينية لدفعها إلى الرضوخ لمبادرات لا تخدم إلا الاحتلال، ومنها ما تعرضه الإدارة الأمريكية اليوم من إمكانية تمديد المرحلة الأولى للاتفاق إلى حين تحقيق شروط المرور للمرحلة الثانية، وهي ضمان أن لا تكون المقاومة جزءًا من «الحكم» في غزة. والمقصود هنا لا أن لا تكون حماس ممثلة في الإدارة التي ستحكم القطاع بعد الحرب، بل يقع إضعافها وأن تسلب منها أية أدوات قوة، والهدف الأساسي هنا السلاح.

ما تعلنه الإدارة الأمريكية بعبارات فضفاضة تخفي بها مرادها هو تحقيق أهداف الاحتلال التي تتمثل اليوم في أن تنتهي الحرب بانتزاع مكاسب مزدوجة: أولًا، تحقيق نتائج ملموسة على الأرض عبر تدمير قدرات حماس، وثانيًا، إملاء شروط جديدة على الفلسطينيين تؤمن مصلحة الاحتلال على المدى البعيد.

هنا، الاحتلال وداعموه، بل بعض الدول العربية التي تتقدم اليوم بمبادرة مضادة لمبادرة التهجير التي قدمها الرئيس الأمريكي، يعتقدون أن تسليط ضغط كافٍ على المقاومة قد يدفعها إلى أن تقبل بانتزاع أوراق قوتها أو تحجيمها لتكون غير قادرة على تهديد الاحتلال وأن لا تمتلك أدوات تسمح لها بالصمود في وجهه مستقبلاً.

هذا الاعتقاد يغفل عن أن المقاومة الفلسطينية صمدت وحاربت الاحتلال مدة 15 شهرًا وتمكنت خلال تلك الأشهر من إدارة المفاوضات وتصريف الضغوط، وهي اليوم تسلك هذا الطريق مجددا.