منذ نشوب الصراع المالي نهاية شهر مايو وإعلان الحكومة الشرعية إيقاف عدد من البنوك ومحلات الصرافة، والإعلان عن مهلة 60يومًا لمنع تداول العملة القديمة، شرع الحوثيون باتخاذ عدد من الخطوات رداً على إجراءات البنك المركزي بعدن.
وأوقف الحوثيون 13 بنكًا وشركة صرافة مراكزها الرئيسية في عدن، كما أطلقوا تهديدات للسعودية للضغط على الحكومة الشرعية لإرجاع الواردات من العملات الصعبة إلى البنك في صنعاء الواقع تحت سيطرتها.
وفي تحدٍ واضح هدّد زعيم الحوثيين السعودية واتهمها بالوقوف وراء التصعيد الاقتصادي الحاصل في اليمن، مؤكدًا بأن استهداف البنوك والمطارات والميناء خطوط حمراء لا يمكن قبولها؛ وفقًا لما نشرته وسائل إعلام الجماعة الخميس الماضي.
السعودية في البداية لم تعطِ الأمر أي اهتمام لكنّ الضغوط ظهرت مؤخراً على محافظ البنك المركزي أحمد غالب المعبقي، للتراجع عن الإجراءات التي اتخذها بحق إيقاف البنوك وشركات ومحلات صرافة.
ووصف المتابعون رسالة المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ للمجلس الرئاسي بأنها جزء من تلك الضغوط التي قامت بها السعودية عبر قنوات أممية؛ إذ طلب غروندبرغ تأجيل قرارات البنك المركزي في عدن.
وطالب المبعوث الأممي في رسالة بعثها إلى مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، بوقف قرارات البنك المركزي والتراجع عنها، ومنح البنوك في مناطق سيطرة الحوثيين، مهلة على الأقل إلى نهاية أغسطس المقبل، والشروع في “حوار اقتصادي مع جماعة الحوثي.
وردّ مجلس القيادة الرئاسي، يوم الجمعة، على الدعوة الأممية لفتح حوار اقتصادي مع الحوثيين، وتأجيل قرارات بنك عدن المركزي بوضع عدة شروط منها استئناف تصدير النفط، وتوحيد العملة الوطنية، وإلغاء كافة الإجراءات التعسفية بحق القطاع المصرفي، ومجتمع المال والأعمال.
استمرار الصراع يزيد من تدهور العملة
ومع استمرار الصراع المالي تستمر العملة المحلية في مناطق الحكومة الشرعية بالتدهور خاصة مع وقف تصدير النفط، وقلة نسبة العائدات من العملات الصعبة، واستمرار الضغوطات الإقليمية والدولية، ومؤخرًا تجاوز سعر الدولار الواحد حاجز 1900ريال يمني بالطبعة الجديدة لأول مرة في تاريخه.
في هذا الشأن، يقول مدير الدراسات والإعلام الاقتصادي مصطفى نصر إن: "الإجراءات التي يتخذها البنك المركزي فيما يتعلق بالرقابة على شركة الصرافة ومنع بعضها وبيع المزادات من العملة الصعبة، كلها خطوات من إدارات سياسية ومحاولة للسيطرة على التضخم وتدهور العملة".
وأضاف لـ "المهرية نت": أصبحت المشكلة في الوقت الحالي أعمق وأكبر ويبدو لها أبعاد ليست اقتصادية فحسب وإنما سياسية مرتبطة بالحوارات الدائرة حاليًا بين الأطراف الإقليمية والدولية بشأن القضية اليمنية".
وتابع" تراجع سعر العملة سببه الأساسي شحة الاحتياطي من النقد الأجنبي، وعدم توفّره جراء توقف صادرات النفط، والمعونات الخارجية المباشرة للبنك المركزي بشكل تدريجي".
وأردف "كلما عجزت الحكومة عن تسليم المرتبات، يتعرّض البنك المركزي والحكومة الشرعية لمأزق كبير، وبالتالي هي غير قادرة على تغطية احتياجات السوق من النقد الأجنبي ناهيك عن عملية المضاربة والصراع الحاصل بين الحكومة والحوثيين في الملف الاقتصادي، والذي يؤثر على سعر العملة بطريقة أو بأخرى".
بدوره، يقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة تعز عبد القادر الخلي، إن: "قرارات البنك المركزي الأخيرة بشأن نقل مقرات البنوك الرئيسية من صنعاء إلى عدن، وإيقاف التعامل مع جميع شركات الصرافة التي تخلفت عن إجراءات البنك المركزي في عدن، وإلغاء العملة القديمة تهدف إلى توحيد العملة المحلية، ومنع عملية الصراع بين الحكومة الشرعية والحوثيين".
وأضاف لـ" المهرية نت": الأسباب التي أدت إلى تدهور العملة كثيرة منها الصراع الدائر بين البنك المركزي في عدن التابع للحكومة الشرعية، والبنك المركزي في صنعاء التابع لجماعة الحوثي، وإلغاء الحوثيين وقف التعامل بالعملة الجديدة منذ عدة سنوات، ووقف صادرات النفط والغاز والتي تعد بمثابة المصدر الرئيسي لتوفير العملات الأجنبية".
وتابع "عملية المضاربة بالأسواق اليمنية من حيث سحب النقد الأجنبي والعملة القديمة من قبل جماعة الحوثي، كونها تمتلك مخزوناً من العملة الجديدة، وشرائها الطبعة القديمة من السكان في مناطق الحكومة الشرعية (الألف القديم بـ 3500 ريال جديد)، أدى إلى استنزاف العملة.
وأردف "شحة عائدات المغتربين اليمنيين، وعدم توفر المشاريع الاستثمارية في اليمن، وعدم إيداع اليمنيين مخزونهم من النقد الأجنبي في البنك المركزي بل في شركات صرافة وبنوك خاصة وهذا كله يؤدي إلى ضعف المخزون المحلي في البنك المركزي من النقد الأجنبي".
وأوضح بأن "البنك المركزي في عدن يقوم على بيع احتياطه النقدي من العملات الأجنبية عن طريق المزاد، والتجار يقومون بشرائها ووضعها في مخازنهم الخاصة، مما يتسبب في استنزافها منه".
وأشار إلى أن "اليمن لا يمتلك أية سياسة نقدية واضحة لمعالجة كل هذه الاختلالات فالسياسة النقدية اليمنية منذ انقلاب الحوثيين لا تضمن توفير مصادر للحصول على العملات الأجنبية".
وبيّن أن الإجراءات التي قام بها البنك المركزي في عدن تهدف إلى استعادة سيطرة الحكومة الشرعية على النقد الأجنبي، وقال: "المفترض عليها أن تحدد سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، وأن تفرضه على شركات الصرافة حتى وإن تحملت الفارق".
ولفت إلى أن "الحكومة تمرّ حاليًا بمرحلة خطرة جدًا، وهي مرحلة الحرب الاقتصادية فقد انتقلت من الحرب العسكرية والميدانية إلى الحرب الاقتصادية وهي من أخطر المراحل التي يمرّ بها المجتمع اليمني بشكل عام".
العملة تستمر بالتدهور
واستدرك الخلي قائلًا: "في ظل استمرارية سياسة البنك المركزي في عدن قد تستمر العملة المحلية في التدهور، لكن في حالة استطاع مدير البنك المركزي التخلص من الضغوطات المحلية والأجنبية، والسير في عملية الإصلاحات التي يقوم بها حاليًا، وسحب تراخيص البنوك في صنعاء وإجبارهم على التعامل مع عملة يمنية موحّدة فإن ذلك سيؤدي إلى استقرار سعر الصرف".
وشدّد على ضرورة أن "تستعيد الحكومة الشرعية تصدير النفط والغاز، وتوحيد السياسات النقدية في جميع المناطق الواقعة تحت سيطرتها وسيطرة جماعة الحوثي، وأن تودع جميع مبيعات النفط والغاز بالإضافة إلى كافة الضرائب من جميع المحافظات اليمنية إلى البنك المركزي في عدن".
وواصل الخلي" كما يجب أن تعمل على وقف صرف مرتبات الوزراء ووكلاء الوزراء وجميع أعضاء الحكومة بالعملات الصعبة وصرفها بالريال المحلي، وكبح جشع التجار الذين يعملون على المضاربة في العملة واستنزافها من السوق المحلية".
ومضى قائلاً: "يجب على الحكومة وضع سياسة نقدية من خلال إجراء حوارات ولقاءات مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمؤسسات الدولية الأخرى للحصول على مساعدات اقتصادية تعمل على تنمية الاقتصاد عن طريق بناء مشاريع مستدامة لتوفير فرص عمل وتوفير النقد الأجنبي".
ويرى المواطن محمد سعيد أن "الصراع المالي والضغوطات الدولية هما سببان رئيسيان في تدهور العملة، ومنع حدوث أي تقدم ملموس في سبيل تعافيها".
وأضاف لـ" المهرية نت": يعمل اللاعبون الدوليون والإقليميون على إفشال هذه القرارات الحكيمة التي يعمل عليها البنك المركزي في عدن، ووضع الحكومة الشرعية في مأزق كبير خاصة مع شحة الواردات إلى البنك".
وتابع: "الريال اليمني يستمرّ في التدهور كل يوم يمرّ، وقد ازداد مؤخرًا بسبب الصراع المالي، ومنع تنفيذ القرارات الحكيمة التي أجراها البنك المركزي، واستمرارية التحكّم بها من قبل الدول المهتمة بالشأن اليمني".
واختتم حديثه قائلًا:" كلما استمر الصراع المالي، والضغوط الدولية، ستستمر العملة المحلية بالتدهور، وقد يتجاوز سعر الدولار الواحد 2000ريال يمني".